خبير بيئي يحذر: العوامل البشرية أصبحت المحرّك الأكبر لاضطراب المناخ.. والعراق يواجه أخطر موجات الجفاف في تاريخه الحديث

في ظل تفاقم أزمة الجفاف العالمية، والتغييرات المناخية التي أثرت على شكل خارطة المناخ في العالم، وفي العراق خصوصاً، ومع انتهاء صيف جاف وبداية شتاء لا تبشر بخير من ناحية تساقط الأمطار التي ما تزال شحيحة مع اقتراب شهر كانون الأول/ديسمبر، ما يزال الخبراء يحذرون أكثر وأكثر من تأثير البشر أنفسهم على المناخ، وعدم إيجاد حلول حقيقية لتلك الأزمة. 

وفي العراق، الذي يعيش أزمة جفاف هي الأصعب في المنطقة العربية، يرى الخبير المغربي بمجال البيئة مصطفى بنرامل، إن العراق مثله باقي الدول العربية التي تمر بأزمة مناخ بسبب “العوامل البشرية” التي تجاوزت الإيقاع الموسمي الطبيعي. 

وحذر بنرامل، من “بصمة بشرية واضحة” تزيد من تفاقم تقلبات الطقس في المنطقة العربية، موضحا أنها أصبحت “المحرك الأكبر لاضطرابات المناخ” بجانب العوامل الطبيعية.

وفي مقابلة مع الأناضول، علّق بنرامل على ظواهر بيئية متباينة شهدتها المنطقة العربية الأيام الماضية، منها حرائق واسعة النطاق في غابات بالجزائر، وطقس غير مستقر في العراق وفلسطين والسعودية وسوريا، تضمن سيولا ورياحا شديدة وضبابا وتساقطا للثلوج.

ونافيا صحة إرجاع اضطرابات المناخ الأخيرة إلى الانتقال الموسمي، قال إن بعض فترات السنة لها دور في طبيعة التقلبات، لكنه أكد أن “ما نعيشه اليوم يتجاوز الإيقاع الموسمي الطبيعي بسبب تأثيرات التغير المناخي”.

بنرامل، وهو رئيس جمعية المنارات الأيكولوجية من أجل التنمية والمناخ (غير حكومية)، رأى أن العوامل البشرية “أصبحت المحرك الأكبر لاضطراب المناخ”، مضيفا أن “المنطقة العربية تشهد نموا عمرانيا متسارعا، واستهلاكا مكثفا للطاقات الأحفورية، وتراجعا مستمرا في الغطاء النباتي”.

وأوضح أن تزايد شدة هذه الظواهر يفرض على الدول العربية، تعزيز سياسات الوقاية وحماية الغابات وتطوير منظومات الإنذار المبكر لضمان سلامة السكان واستدامة الموارد.

تفاعل معقّد

شدد بنرامل على أن موجة التقلبات المناخية التي شهدتها المنطقة العربية في الأيام الأخيرة “ناتجة عن تفاعل معقّد بين عوامل بشرية وطبيعية”.

وأوضح أن “الاحتباس الحراري العالمي، الناتج أساسا عن الانبعاثات الصناعية والتوسع العمراني وتدمير الغطاء النباتي، يساهم في رفع درجات الحرارة وتفاقم موجات الجفاف، ما يجعل الغابات أكثر قابلية للاشتعال”.

وأضاف أن “التذبذبات المناخية الطبيعية، مثل اضطرابات التيارات البحرية وتغير أنماط الضغط الجوي، تتسبب في نقل كتل هوائية رطبة أو باردة بشكل مفاجئ، فتظهر سيول جارفة أو تساقطات ثلجية غير معتادة”.

وأشار بنرامل إلى أن تزايد شدة هذه الظواهر في الفترة الأخيرة أصبح “بصمة بشرية واضحة”، موضحا أن ذلك “يفرض على الدول تعزيز سياسات الوقاية، وحماية الغابات، وتطوير منظومات الإنذار المبكر لضمان سلامة الساكنة واستدامة الموارد”.

الحالة العربية

وعن الظواهر البيئية المتطرفة بالمنطقة العربية بين حرائق غابات وفيضانات مفاجئة وعواصف رملية وأمطار وثلوج غير معتادة، قال إن أسبابها ترجع إلى عاملين رئيسيين يتداخلان باستمرار: بشري وطبيعي.

الخبير لفت إلى أن “العامل البشري أصبح المحرك الأكبر لاضطراب المناخ، فالمنطقة العربية تشهد نموا عمرانيا متسارعا، واستهلاكا مكثفا للطاقات الأحفورية، وتراجعا مستمرا في الغطاء النباتي”.

وأوضح أن هذا السلوك العمراني “رفع تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ما أدى إلى ارتفاع الحرارة وتفاقم موجات الجفاف، وبالتالي زيادة احتمال اندلاع حرائق الغابات”.

وذكر أن “سوء تدبير المياه والضغط الكبير على الموارد الطبيعية ساهم أيضا في إضعاف قدرة الأنظمة البيئية على التكيف”.

عوامل طبيعية

وبجانب العوامل البشرية، اعتبر بنرامل أن “العوامل الطبيعية تلعب دورا مكملا، مثل اضطرابات التيارات البحرية في البحر المتوسط والبحر الأحمر، وتحركات أنظمة الضغط الجوي”.

هذه الظواهر، وفق بنرامل، تنقل كتل هوائية رطبة أو باردة نحو المنطقة العربية، فتظهر سيول مفاجئة وعواصف شديدة، أو دفعات ثلجية تضرب دولا غير معتادة عليها.

وأضاف: “هذه العوامل جعلت المنطقة أكثر هشاشة أمام الظواهر القصوى، ما يستدعي تعزيز خطط التكيف، وتطوير نظم الإنذار المبكر، والاستثمار في البنية التحتية القادرة على مواجهة مخاطر المناخ المتغير”.

لكنه شدد على أن الأسباب وراء تقلبات المناخ بالدول العربية “ليست أحادية، بل ناتجة عن تداخل واضح بين العوامل البشرية والطبيعية، مع ميل الكفّة أكثر نحو التأثير الإنساني في العقود الأخيرة”.

ويواجه العراق منذ سنوات أزمة جفاف متفاقمة، تُعد من أخطر التحديات البيئية في تاريخه الحديث، نتيجة التغير المناخي وانخفاض معدلات الأمطار، إضافة إلى التراجع الكبير في واردات المياه من دول المنبع كتركيا وإيران.

وأدت هذه العوامل إلى تقلص المساحات المزروعة، وتزايد التصحر، وتضرر الأمن الغذائي، ما أثر بشكل مباشر على معيشة ملايين العراقيين، خصوصاً في المناطق الزراعية والريفية.

وبالتوازي مع الجفاف، يعاني العراق من نقص حاد في الخزين المائي داخل السدود والخزانات، حيث تراجعت المستويات إلى ما دون المعدلات الآمنة.

تداعيات خطيرة 

تحدث بنرامل عن خطورة التقلبات المناخية المتسارعة، محذرا من أنها “تترك آثارا واضحة ومقلقة على الزراعة وباقي القطاعات الحيوية، خصوصا مع تزايد حدتها وصعوبة التنبؤ بها”.

ففي القطاع الزراعي، رأى بنرامل أن التداعيات تكون الأكثر مباشرة، مضيفا أن “موجات الجفاف الطويلة تضعف إنتاجية المحاصيل وتقلص المساحات المزروعة، فيما تؤدي السيول المفاجئة إلى انجراف التربة وتدمير الحقول والبنية السقي”.

كما “تتأثر الأشجار المثمرة بفترات البرد والحرارة غير المنتظمة، مما يربك دورات الإزهار والإنتاج”، كما قال.

أما باقي القطاعات، فأوضح الخبير إنها “تتأثر بدورها بشكل متسلسل”، معتبرا أن “البنية التحتية تتعرض للخطر بسبب الأمطار الغزيرة والفيضانات التي قد تغرق الطرق والمرافق الحيوية وتقطع الكهرباء والاتصالات”.

ويمكن أن يعاني أيضا “قطاع النقل الجوي والبري من الاضطرابات الجوية التي تؤخر الرحلات وتربك سلاسل التزويد”، وفق بنرامل الذي أضاف أن” قطاع الصحة يتأثر كذلك عبر ارتفاع مخاطر الأمراض المرتبطة بالمياه الراكدة أو موجات الحر الشديدة”.

وتابع: “حتى الاقتصاد والسياحة يتلقيان ضربات بسبب تضرر المواقع الطبيعية وتقلب الطقس الذي يدفع الزوار لتغيير وجهاتهم”.

ورأى بنرامل أن “التقلبات المناخية تتحول إلى عامل ضغط شامل يمس الأمن الغذائي، والاستقرار الاقتصادي، وجودة عيش السكان، ما يستدعي سياسات تكيف أكثر فعالية واستثمارات قوية في الوقاية والإنذار المبكر”.

إرسال التعليق