
المحرر: د. قاسم حسين صالح | عدد المشاهدات: 1050
اعتدتُ من ربع قرن أن استطلع توقعات العراقيين وأمنياتهم في كل عام جديد،ولو أنني جمعتها من يوم نشرت عنها اول مقالة بالصفحة الاخيرة في جريدة الجمهورية عام (95) واطلع عليها الناس لما صدقوا أن أمنيات العراقيين في سنواتهم الخمس والعشرين كانت بسيطة للغاية: (أكل رغيف خبز ابيض، مو نخاله.. وتناول وجبة لحم ولو مرة بالاسبوع.. في 13 سنة حصار، وتوفر الكهرباء في حر تموز وبرد كانون في 13 سنة ديمقراطية). وبالمناسبة.. كان طاغية الدكتاتورية يأكل لحم الغزلان المطعّم برائحة الهيل والشعب يأكل خبز النخالة المعجون برائحة الصراصير، فيما كان حيتان الديمقراطية ينعمون بالكهرباء والشعب يتبرّد بالمهفة في الصيف وتغرق بيوته في الشتاء! في الاسبوع الاول من آخر شهر في عام 2015 كنّا توجهنا في استطلاع الى القرّاء تضمن هذين السؤالين:
• بماذا تصف عام 2015 بايجابياته وسلبياته؟
• ما توقعاتك الايجابية والسلبية في عام 2016؟
كان الهدف من السؤال الأول هو معرفة موضوعية التقييم او الحكم لدى العراقيين. فوجدنا ان المستجيبين توزعوا على صنفين (أسود وابيض).. حيث وصفه الفريق الاول بأنه: (عام الحروب والفقر والألم،والتوتر والصراعات ،وقلّة الخبرات وتقشف الحكومات،وعام الحزن على هجرة الشباب العراقي.. وعام مأساة النازحين. ومنهم من ذهب ابعد بوصفه له بانه عام اعداد مشروع التقسيم، ومنهم من سخر قائلا:الله يخليك دكتور.. ليش هي أكو ايجابيات!) فيما وصفه الفريق الثاني بأنه عام: (الانتصارت على الارهاب،عام انتصار القوى المدنية من خلال حراكها الشعبي المستمر،وتزايد التظاهرات الاحتجاجية،وتسمية الفاسدين.. وعام تقديم حزم الأصلاح.. و.. عام النجاح والغربة). وكان الهدف من السؤال الثاني هو معرفة حجم التفاؤل والتشاؤم لدى العراقيين بخصوص ما سيحدث في عام 2016.. وتوزعوا ايضا على صنفين، اذ رأى المتفائلون ان العام الجديد سيشهد:(تغييرا على الصعيد السياسي افضل بفعل زيادة الوعي الشعبي لصالح القوى المدنية، وسيكون الاحتجاج اكبر،وستنهار المحاصصة، والعام الذي سيؤدي فيه السخط الشعبي الى ان يتوحد العراقيون، والعام الذي سيشهد هزيمة القوى الطائفية). فيما توقع المتشائمون بان العام الجديد سيكون: ( أسوأ من سابقه.. وسيكون عام قحطٍ،وحالة من اليأس على الصعيد الاجتماعي، وزيادة معاناة الناس وحالات القتل والتهجير، والعام الذي سيشهد الصراع بين الكتل بسبب انخفاض تردي الوضع الاقتصادي). فيما كان لسان حال اليائسين من اصلاح الحال تجسّده هذه (الحسجة السوداء):
( سنة جديده
والعراقي على كلبه حاط إيده
كضه عمره.. وين ما يلتفت سطره
يمنه .. سطره
يسره.. سطره
ينطي وجهه للسما.. أهل السما يجيبوه بدفره
ينطي وجهه للأرض.. بعد خطوه يشوف كبره.
هيّ شنهي المسألة؟
كلها مثله الناس.. لو وحده ابتله؟!
بكل سنه جديده.. العراقي على كلبه.. حاط إيده). الاسابيع الأخيرة من عام 2015 حملت ايامها احداثاً ومفاجآت سارة. ففيها كان مولد النبي الكريم محمد (ص) ومولد السيد المسيح (ع). وفيها تزامن،في حالة نادرة، صلاة قدّاس المسيحيين وصلاة جمعة المسلمين في آخر جمعة من 2015.. وكأنهما اجتمعا ليذكّرا العراقيين بأن تعاليم القرآن الكريم تدعو الى التسامح واحترام الآخر بقوله (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم)، التي تلتقي مع تعاليم الأنجيل القائلة (لله المجد في العلا وعلى الأرض السلام).. والأسلام تحيته (السلام)! ومع أن الأخوة المسيحيين اعتذروا عن قبول التهاني لأنهم، بوصف بطريرك الكلدان في العراق روفائيل ساكو، حزانى على ما لحق بأحبتهم في أسوأ عام يمر عليهم في العراق.. وإجبار 120 الف مسيحي على مغادرة الموصل في ليلة واحدة، فإن مدينة (القوش) بسهل نينوى صنعت شجرة ميلاد هي الأكبر في تاريخها وعاشت ليلة استثنائية من مظاهر الاحتفال باعياد الميلاد برغم انها لا تبعد عن وحوش داعش سوى بضعة كيلومترات.. في حالة تحدٍ شجاعٍ لأعداء الإسلام والمسيح. وفي مدينة الحلة كانت دمى بابا نوئيل يحملها أطفال بابل، وأشجار أعياد الميلاد تزين الساحات والشوارع، وأهلها المسلمون يحتضنون أخوتهم المسيحيين. والمفرح أن مدينة النجف الأشرف احتفت بحضور بابا نوئيل وزينت شوارعها باشجار ملونة.. وقال أهلها النجفيون اننا نريد ان نردّ الجميل لأخوتنا المسيحيين الذين شاركونا أحزاننا في اربعينية الأمام الحسين بأن نشاطرهم أفراحهم بمولد السيد المسيح وعيد رأس السنة. وفي اربيل امتزج فرح المسيحيين بمشاعر محبة أخوتهم من الكــرد والعرب.. وتزينت محال وشوارع مدينة (عينكاوه) باجمل اشجار عيد الميلاد وانواع الأحجام الجميلة الملونة لرسول المحبة.. بابا نوئيل. مشاعر لا اجمل منها ولا اصدق. وتلك حقيقة، فقبل داعش كان عيد رأس السنة الميلادية من اجمل المناسبات التي يغرّد فيها الفرح بأفواه المسيحيين والمسلمين من العرب والكـرد والمندائيين والشبك... وما كنّا لننتبه اننا من دين وهذا من دين، بل الكثير من نسائنا المسلمات كن يذهبن لزيارة مريم العذراء وطلب المراد، ولأننا نفهم ديننا الاسلامي بقيمه الراقية التي تحترم الانسان، ولنا في قول الأمام علي خير شاهد بقوله (البشر نوعان.. أخ لك في الدين ونظير لك في الانسانية).. فيما يكفي الدين المسيحي قوله (أحبوا أعداءكم). فضلا عن ان المسيحيين في العراق أهلُ علم وحضارة وتراث وان العراق وطنهم.. وأنه من دونهم يكون العراق مثل حديقة بلا ورود، ومن دونه يعيشون غرباء.. يضنيهم داء الحنين اليه حتى لو كانوا في أجمل مدن أوروبا. على أن الحدث الأهم هو خواتيم العام باعلان تحرير مدينة الرمادي في (28/12/2015).. ففي هذا النصر تحقق هدفان: استعادة الجيش العراقي لهيبته، وهتاف المقاتلين في ساحات القتال (أخوان سنه وشيعه هذا الوطن ما نبيعه). وكما ان الرجّة الكهربائية تنشط القلب الذي توقف نبضه،فان هذين الهدفين أحيا الشعور بالوطنية والولاء للعراق الذي تراجع عشر سنوات لصالح الولاء للطائفة الذي أشاعه الطائفيون وشجعه الفاسدون. ان القراءة السيكولوجية لما حدث ويحدث توصلنا الى النتيجة الآتية: ان مزاج العراقي صيرته الأحداث ان يكون أشبه بـالأرجوحة.. (رايح ..جاي) بين أزمة، انفراج، أزمة... وأن عدوى التشاؤم لدى العراقيين سريعة الانتشار في أوقات الأزمات، وعدوى التفاؤل سريعة الانتشار في اوقات الانفراج. ولأن مناسبات الأزمات ومددها أكثر وأطول فان تفاؤلهم يكون بحذر.فمع ان خواتيم احداث العام الذي ودعه العراقيون.. شهدت احداثا ايجابية احيت الأمل لدى كثيرين منهم،فان نسبة المتشائمين ستبقى هي الأعلى مقارنة بالمتفائلين وبين وبين، غير ان إعادة ترتيب نسبها ستقرره ما تحمله افتتاحية العام الجديد من أحداث.
2016-01-12