
المحرر: هارون محمد | عدد المشاهدات: 604
معروف ان نوري المالكي لم يترك رئاسة الحكومة السابقة مخيراً ولم ينسحب من حلبة الولاية الثالثة الا مرغماً.
ولكنه رغم تشكيل الحكومة الحالية برئاسة رفيقه في حزب الدعوة ظل نشيطا وفاعلا وحوّل منصبه الجديد كأحد نواب رئيس الجمهورية الذي استمات في الحصول عليه الى مركز قوة جديد له يعوض ما فقده من مزايا وامتيازات السلطة التنفيذية والقيادة العامة للقوات المسلحة.
ومشكلة المالكي انه شخصية طاردة في طبيعتها وهو يمثل حاضنة لكل انواع واشكال العاهات السياسية من احقاد وثأرية وانتقام وطائفية وقد اثبتت السنوات الثماني التي رأس فيها الحكومة وقبلها عام في نيابة احمد الجلبي في هيئة الاجتثاث وعام آخر في رئاسة لجنة الامن والدفاع في الجمعية الوطنية انه لا يصلح لاداء أي دور سياسي يقوم على التعاون او المشاركة أما الاختلاف في الرأي وعدم التطابق السياسي معه فان ذلك في عرف المالكي مؤامرة خصوصا وانه من النوع الذي يصدق كل شيء ويستجيب للنميمة وغيبة الآخرين وله قدرة فائقة في تصنيع الخصوم وصنع الاعداء له ولا يستطيع العيش بلا توتر او استفزاز.
ولان المالكي لا تاريخ له في العمل السياسي داخل العراق ولم يكن حتى مغادرته الى ايران منتصف عام 1980 أي سجل نضالي او جهادي ـ وفق مفاهيم الاحزاب الاسلامية ـ ضد النظام السابق ولم يتعرض الى أي ملاحقات او متاعب من اجهزته لانه كان (يمشي الحيط الحيط) حتى ان صفحته في دائرة أمن طوريج بيضاء ناصعة وهذا نادر بالنسبة لاغلب العراقيين السياسيين وغير السياسيين.
فانه يشعر بـ(دونية) في اعماقه يسعى الى تعويضها بالتطرف في مواقفه الطائفية والتشدد في اجراءاته القمعية في محاولة منه لدفع شبهات المسكنة والتعايش مع النظام السابق على مدى اكثر من 12 عاما كان فيها موظفاً في حكومة البعث ويحظى بالترفيع والترقية بصورة طبيعية.
ولولا تزكية الشيخ عبدالحليم الزهيري للمالكي عند وصول الاخير الى طهران لكانت السلطات الايرانية قد سجنته بتهمة التجسس للنظام السابق لانه أخفق في تقديم أي وثيقة او دليل يثبت انه مضطهد سياسي او له نشاط معارض في حزب الدعوة او غيره من الاحزاب الشيعية ولذلك فان أول جريمة ارتكبها عند عودته الى العراق عقب الاحتلال واختياره من قبل الحاكم الامريكي بول برايمر نائبا لرئيس هيئة الاجتثاث بدرجة مدير عام هي خطف اللواء عدنان نبات وشقيقه علي مدير زراعة ناحية جبلة ونقلهما الى طويريج وقتلهما بطريقة بشعة لان المرحوم عدنان سبق وعمل ضابط أمن منطقة الهندية في سنوات 1976ـ 1980 وكان معروفاً بالتزامه للمالكي أمنياً لاسباب لم تعد مجهولة.
ولا ننسى بهذا الصدد ان ابن عمه المرحوم ضياء العلي وهو عضو قيادي في حزب البعث كان يحتضنه سياسيا والعراقيون يعرفون تماما بان أي شخص في العهد السابق اذا التزمه ضابط أمن واحتضنه قيادي بعثي فانه يظل محصناً حتى صدام حسين بعلو مسؤوليته لا يقدر على المساس به.
من هنا ووفق هذه الاعتبارات الشخصية والنفسية والسياسية يجب ان نفهم المالكي وتقييم طبائعه وسلوكه وممارساته وبالتالي فان مثل هذا الكائن الخرافي يجد صعوبة في تقبل ان يكون من هو أدنى منه في حزبه ارفع منه في المنصب ولا يهضم ان يكون واحدا (كسولا) في الحزب مثل حيدر العبادي ـ كما يصفه في مجالسه الخاصة ـ رئيس وزراء وقائد عام للقوات المسلحة وهو صاحب صيحة (ما ننطيها) التي ما زال يتشبث بأصدائها رغم انها انكسرت وتهاوت.
ولان المالكي ما زال يعتقد بانه خسر جولة عند استبعاد الولاية الثالثة عنه ويظن ان معركته مع خصومه السياسيين تحتاج الى بعض الوقت لتهيئة مستلزماتها فانه أمضى اكثر من عام وهو يعد ويستعد لتنفيذ مشروعه للعودة الى رئاسة الحكومة وقد بات جاهزا الان بعد ان نجح في حشر فصائل الحشد الشعبي تحت رايته مزيحاً راية السيستاني عنها وازال الغطاء الحكومي الرقيق عنها وباتت تتحرك وتقاتل بمعزل عن الحكومة ووزارة الدفاع ورسالة ابو مهدي المهندس الى العبادي لمن يتمعن في مضامينها مقدمة لعودة المالكي المقبلة وعناوينها ستكون اسقاط الحكومة الحالية وهي ضعيفة أصلاً يتبعها تليين موقف السيستاني منه واستقطاب الكتل الشيعية بضغوط ايرانية الى جانبه كما حصل عقب انتخابات 2010 والاعتماد على الخطوط الايرانية في الاحزاب الكردية واستغلال انقساماتها الحالية.
اما السنة العرب فليس لهم حضور قوي ويستطيع المالكي بسهولة التأثير على نوابهم ووزرائهم واغرائهم واولهم الحزب الاسلامي وبهذا الصدد فان قطب الحزب رشيد العزاوي شوهد في الفترة الاخيرة يقوم بزيارات مكوكية بين بغداد وطهران ويتنقل كثيرا بين منزلي المالكي وسليم الجبوري والمعطيات بهذا الشأن تشير الى ان رئيس مجلس النواب لا يمانع من عودة المالكي الى رئاسة الحكومة اذا ضمن الجبوري استمراره في موقعه الحالي وقد يدعمها من خلال حشد عدد اكبر من النواب لسحب تفويض البرلمان لرئيس الحكومة الحالية بشأن الاصلاحات بدعوى ان العبادي لم يف بوعوده واخفق في تنفيذ تعهداته.
وبالنسبة للامريكان فانهم في موقف لا يحسد عليه في العراق والمنطقة برمتها ولم تعد ادارة اوباما قادرة على لعب دور مفصلي سواء في العراق وسوريا بعد ان استعادت روسيا تاريخها السوفييتي السابق وأطلت برأسها ودست انفها دون استئذان في سوريا اليوم وغدا في العراق.
وما التغييرات التي أحدثتها واشنطن مؤخرا في تعيين مسؤولين جدد لسياساتها العراقية والعربية (السفير بريت ماكفورك منسقا والجنرال شون ماكفرلاند مشرفا) هي في حقيقتها اجراءات ترقيعية وجاءت في الوقت الضائع.
اما التهويل الذي افتعله الصخب الامريكي عن عملية الحويجة فانه لم يأت بنتائج مرضية لا للاكراد الذين لم تطلق عملية الانزال سراح اسراهم ولا للشيعة الذين استنكروها واعتبروها انتهاكا للسيادة ولا للسنة العرب وقد امتعضوا منها لا تعاطفا مع داعش وانما عدوها اسناداً للمليشيات الشيعية التي تنتشر في اطراف المدينة من الجنوب والغرب وتتحين الفرصة للانقضاض عليها واحداث مجزرة جديدة فيها اشد من مجزرة الحويجة الاولى في 23 نيسان2013 .
العراق ومنذ عام 2003 هو ملعب تتبارى على ارضه قوى ودول وجهات اقليمية تتصدرها ايران واجنبية تقودها امريكا ولكل منهما أدوات كان المالكي حتى نهاية 2014 أداة مزدوجة تستخدمه طهران وواشنطن في تنفيذ اغراضهما بالتفاهم السري بينهما تارة والتعاطي الدبلوماسي والسياسي العلني تارة اخرى.
ولا يستبعد ان يعود هذا التفاهم والتعاطي من جديد بين الدولتين في ظل ادارة اوباما على غرار (الاتفاق النووي) خصوصا ان هذه الادارة باتت لا لون ولا طعم ولا رائحة لها في العراق الشيعي وسوريا العلوية.
. الرجوع للصفحة الرئيسية
2015-11-15