
المحرر: عامر سالم حسني | عدد المشاهدات: 1689
كانت الموصل قبل ان تتوسع مدينة صغيرة حدودها تمتد من منطقة باب الطوب باتجاه باب جديد ثم تستدير بإتجاه باب البيض وباب سنجار وتنتهي عند قلعة باشطابيا أما البناء فلم يكن يتجاوز منطقة القليعات وكان بينه وبين السور من الجهة الشممالية أراض واسعة غير مسكونة لقلة سكان الموصل آنذاك ومن يشاهد المدينة القديمة يراها قد بُنيت على أرض مرتفعة عما حولها قليلا لتفادي مياه الأمطار التي كانت تمتلأ بها الوديان التي تحيط بالمدينة وما أكثرها آنذاك ولأسباب أمنية تتعلق بحماية المدينة من العدو .
بدأت أعداد الناس بالتزايد وضاقت بهم المدينة وبعد هدم السور بدأت الناس تبني بيوتها في المناطق القريبة من الأحياء القديمة ولما كانت هذه الأراضي بالأصل هي مجاري أودية تستقي ماءها من مناطق بعيدة وقت الفيضان إقتضت الضرورة إنشاء مجاري كونكريتة مغلقة لتحتوي مياه الأمطار الغزيرة .
أول المناطق التي بدأ البناء فيها هي القريبة من محلة باب جديد وهي في الأصل وادي ومازالت المنطقة إلى اليوم تسمى بـمحلة السيب ( والسيب عربية فصحية تعني مجرى الماء ) أنشأت الحكومة وقت الملكية وبعد إنتشار البيوت مجرى صندوقي تحت الأرض يبدأ بالقرب من بناية محطة قطار الموصل ويمر بمنطقة الطوّافة ثم محلة السيب ثم محلة السجن حتى ينتهي الى نهر دجلة ومع ذلك فهو لا يستوعب المياه الغزيرة لصغر حجمه .
كان عدد البيوت قليل والأراضي حول البيوت لم تزل مفتوحة واسعة فلم تكن الفيضانات تشكل مشكلة كبيرة لأن المياه كانت تنصرف تلقائيا الى النهر عبر الأراضي المفتوحة حتى لو فاض هذا المجرى .
توسعت المدينة ثم بُنيت الدواسة في الأربعينات التي كانت تغمرها مياه الأمطار لإنخفاض مستوى أرضها عن أرض المدينة القديمة ومن هنا جاء اسمها حسب أحد الآراء .
في أواسط الخمسينات من القرن الماضي بدأ البناء على أرض وادي حجر لأنها منطقة قريبة من الموصل القديمة أنشأ الناس بعض البيوت على حافة هذا الوادي بعد توسع المحلة بادرت الحكومة في وقت الملكية إلى إنشاء مجرى كونكريتي صغير الحجم يتوسط الحي ليستوعب مياه الوادي عند فيضانه وقد أخبر الأهالي أصحاب التنفيذ في حينها أن المجرى صغير الحجم قياسا بكميات الماء الهائلة القادمة الى الوادي فلم يؤخذ برأيهم .
يمتد المجرى من وادي حجر عند مدخل شارع السايلو ثم يمر بالغزلاني ثم يصب في النهر قرب المدبغة وهو يسير تحت الأرض .
توسعت المحلات وبنيت محلات الجوسق والطيران على أراضي تنخفض قليلا عن محلة وادي حجر .
مع بناء المجرى الصندوقي في وادي حجر وصغر حجمه ظهرت مشكلة لم تزل قائمة إلى اليوم منذ أكثر من 50 سنة وهي أن مياه الفيضات القادمة من خارج الموصل هي مياه هائلة لا قدرة لهذا المجرى على استعيباها مما يتسبب في خروج مياه الفيضان الى الشارع العام فيقطع طريق وادي حجر ويُغرق محلة السجن والغزلاني والطيران والدواسة وكان قبلها قد أغرق مناطق وادي العين وموصل الجديدة خصوصا المناطق القريبة من مجرى الوادي علما أن مجاري هذا المناطق سالكة وغير مغلقة لكن المياه القادمة من خارج الموصل هائلة .
ظلت هذه المشكلة قائمة حتى منتصف ثمانينات القرن الماضي حيث حدث فيضان هائل في هذا الوادي وفي أكثر مناطق الموصل أوعزت على إثرها الحكومة بإنشاء مجرى صندوقي ضخم يبدأ من محلة وادي حجر ثم ينتهي الى النهر .
بدأ العمل به وكان كبير الحجم ورُصد له مبلغا ضخما في حينه لكن مع الاسف توقف العمل في منتصفه وترك وأهمل قيل أن المشروع فشل وظلت المشكلة على حالها الى اليوم .
أما بالنسبة للساحل الأيسر فالمشكلة أهون قياسا للساحل الأيمن لأنه حديث النشوء .
البناء فيه إبتدأ بالستينات تقريبا ولوجود مجرى نهر الخوصر الذي يستوعب أكثر مياه الأمطار وتصب فيه العديد من الأودية .
ومع ذلك هناك بعض المشاكل مع بعض الأودية التي تقطع الأحياء المنخفضة .
حوادث متفرقة: 1- في أربعينات القرن الماضي وبينما أحد الشباب من بيت الحجار ( شقيق المرحوم عبد الله الحجار ومن أقارب اسماعيل الحجار ) منهمكا في حصاد الحنطة العائدة لهم في منطقة المنصور هبت على المنطقة عاصفة رعدية شديدة غزيرة المطر أجرت السيول .
أنهى الشاب عمله ثم حمل ما حصده ووضعه على ( شخر ) فوق ظهر الحمار وقفل عائدا الى بيته وفي الطريق إعترضه السيل في وادي حجر وأثناء محاولته قطع الوادي جرفه الماء مع حماره فغرق رحمه الله ووجدت جثته في منطقة الطيران .
2- في إحدى المرات التي فاض فيها نهر دجلة خرج أهالي الموصل للفرجة والمشاهدة .
وفجأة إنهار جرف الى النهر كان يقف عليه شابين .
في فصل الصيف وبعد إنحسار مياه النهر وأثناء قيام بعض السيارات برفع الحصو والرمل من حافة الشط تم العثور على جثتي الشابين في نفس المكان الذي إنهار فيه الجرف .
3- من الحوادث الغربية التي صادفتني في ثمانينات القرن الماضي وعندما بُدأ العمل بالمجرى الصندوقي في محلة وادي حجر وأثناء قيام أحد العمال وهو من الإخوة المصريين بفتح غطاء أحد المنهولات الواقعة تحت قنطرة سكة القطار القديمة فوجئنا به وهو يصرخ بهستيرية : ( جاموسة جاموسة ) إجتمع الناس حوله وتقدمت أنا مع المتقدمين لننظر ما هناك ( بيتنا كان قريب من المكان ) وفعلا رأينا جاموسة ضخمة وهي ما تزال حية فأستغرب الجميع من المنظر الجاموسة في المجرى تحت الشارع العام .
بعد ساعات قليلة حضر أصحابها ومعهم رافعة حيث أوثقوا الجاموسة من قرنيها وسحبتها الرافعة ولم تصب بأذى .
عرفنا من أصحابها أن الجاموسة دخلت من نهاية مجرى الماء عند منطقة الطيران وظلت تمشي في المجرى تحت الشوارع وظلت تتقدم إلى الأمام لإنها لا تستطيع الإستدارة لضيق المجرى حتى توقفت تحت قنطرة وادي حجر.
2014-12-15