
المحرر: عبدالأمير الركابي | عدد المشاهدات: 602
لم تكن الخطوة التي اقدم عليها مقتدى الصدر يوم الجمعة الأخيرة من شهر شباط.
عادية.
فوجوده خطيبا امام عشرات الألوف من المتظاهرين كان يقرأ في الساحة التي امامه.
وهو يفهم جيدا عبر قرار التحشيد الأقصى.
والتمهيدات الممتدة الى قرار المرجعية النجفية العليا الإقلاع عن اصدار الموقف السياسي الأسبوعي كل يوم جمعة.
وسواء كان القرار المذكور اتخذ بالاتفاق مع التيار الصدري وزعيمه او لا.
فان ملامح جبهة بين الطرفين بدت مع الجمعة الأخيرة صارخة.
تؤشر لبدء عهد جديد من تاريخ "العملية السياسية الطائفية".
لايعود فيها "حزب الدعوة الإسلامية" في الواجهة السياسية.
بينما تتقدم متغلبة الشيعية اللاحزبية "التيارية" و"المرجعية".
لقد اثبت حزب الدعوة عدم صلاحيته لقيادة البلاد وتدني قدراته.
وانعدام وشعوره بالمسؤولية الوطنية.
فقد افضى بالوضع الى الخراب المطرد من دون أي افق.
ما جعل موقف المرجعية والتيار يذهب الى ماهو ابعد من مجرد الموقف السياسي البحت نحو تحري مصلحة الجماعة المحكوم باسمها من قبل حزب لا يأتي الى الحكم بجمهوره او محازبيه.
بقدر مايحول جهاز الدولة والحكم الى أداة تحشيد انتخابي طائفي.
هو فيها طرف ضعيف عمليا مقارنة بالممثلين الاخرين.
وبالأخص التيار والمرجعية.
ومثله مثل أي حزب علماني حاز على السلطة ليصادر حق التمثيل الوطني.
حول حزب "الدعوة" نظام المحاصصة الى وسيلة ضمان الارجحية داخل التشيع العراقي ومن ثم داخل المجتمع العراقي ككل.
ما قد نمى بمرور الوقت تساؤلات خطرة حول "طائفة الحكم" و"حكم الطائفة" لتصبح في نهاية المطاف.
نذيرا من شانه تاجيج صراع داخلي ليس له أي حل الا بالحسم.
فالحاكمون باسم الطائفة يحملونها بما في ذلك قياداتها الفعليه.
مسؤولية أفعال تتحول مع الوقت الى تراث محسوب على قيادة الطائفة مع انها لاتحكم.
وغير راضية عما هو حاصل.
ومثل هذا الوضع مرشح للاحتدام.
بما انه مصيري ويتعلق بالأساس العقيدي والتمثيلي لدرجة عدم استبعاد تحوله الى احتراب شيعي شيعي.
وحتى ذلك الحين قد تتعدد الجولات وتتغير الاصطفافات وتتبدل وقفات مراكز القرار والتاثير.
مايضعنا امام فصل جديد من فصول حركة التشيع العراقية الحديثة المبتدئ من القرن الثامن عشر.
ويتزامن مع لحظة الارتكاس نحو غلبة قوى ماقبل الدولة "الحديثة المستعارة" قبل العودة لاستئناف الطور الثاني من التشكل المجتمعي العراقي الحديث.
ومما لايقبل الجدل ان السنوات العشر الماضية.
كانت الأسوأ مما مر به العراق في تاريخه الحديث على مستوى الحكم.
فقد طغت اللصوصية واللامسؤولية.
وهدر المال العام وانعدام التخطيط.
وتعمد اثارة النعرات بين مكونات المجتمع.
وتعريض الكيان للتمزق.
وشيوع الفوضى.
وفتح الأبواب على مصاريعها للتدخل الأجنبي والإقليمي في القرار السياسي الوطني.
بينما لم يعرف العراق أي منجز تم تحقيقه خلال هذه الفترة على الاطلاق.
بحيث ضرب الحاكمون منذ 2003 الى اليوم الرقم القياسي في مايمكن تسميته "سلوك السلب المطلق" بانعدام أي انجاز في أي ميدان من الميادين على الاطلاق.
وكل هذا يأخذ من رصيد الشيعه المحكوم باسمهم.
ومن مكانتهم داخل المجتمع الذي ينتمون اليه.
لدرجة تعديه النطاق السياسي الى ماهو ابعد واكثر قدسية وكينونة.
خاصة مع تكريسه نهجا ثابتا يتصادم مع نهج المركز القيادي العقيدي.
فتكريس سياسة "طائفة الحاكمين" بما هم عليه.
ومايمثلونه من ممارسة كارثية.
يعني اختطاف الطائفة بواسطة جهاز الحكم.
كما يعني ضمنا حربا ضد مرجعيتها التي ترى رايا مخالفا لراي من يحكمون.
وهو ماظهر جليا منذ أيام المالكي.
وتكرس خلال التظاهرات منذ الصيف الماضي حين ايدت المرجعية مطلب الإصلاح.
ودعت له.
وامتنعت عن استقبال رئيس الوزراء العبادي لانه لم ينفذ ماقد وعد به.
ومما يزيد في اتساع وحدة موجة رفض حكم "حزب الدعوة" او نهجه من داخل الطائفة.
ويتلاقي عليه مركزان من اهم مراكز الفعل والتاثير داخلها.
كونها تصادف ترديا في الأوضاع المعيشية بعد الانخفاض الحاد في أسعار النفط منذ العام المنصرم.
ماافقد الحكم إمكانية رشوة المجتمع او قطاعات منه أصبحت الان اميل لابداء تذمرها وسخطها.
حتى وان لم تتبلور راهنا موجة من الوعي الوطني الاشمل.
تصبح مشروعا يهدف لاعادة بناء العراق على أسس تلائم لحظة الانتقال من الحداثية السياسية الأحادية في الحكم والدولة الى التعددية الموحدة الفعالة.
وكمال هذا المآل يتوقف راهنا على فعل العوامل الدافعة والمحفزة في الواقع.
وعلى يقظة العقل وجموحة وهو يتقدم باتجاه الطور التحديثي الثاني الذاتي.
بعد طور التحديثية المستعارة المنقضي.
بعد تظاهرة الصدريين المليونية بيوم او يومين.
سمعت الانفجارات في مدينة الصدر والشعلة وتطايرت أشلاء الشبيبه التي كانت قبل يوم في ساحة التحرير.
فهل هذه مقدمة فصل جديد نحن مقبلون عليه او هو من قبيل الإنذار؟.
مهما يكن.
فالمرجح ان لايتوقف تنامي حركة الاحتجاج التي ستستحث لاحقا.
وحسب المجرى المنطقي والمتوقع للامور.
الى تلاقي اكثر من قوة فعل وتاثير.
علمانية وطنية كانت او مكوناتيه.
بينما ستزداد عزلة "حزب الدعوة" وجماعة الحكم.
وصولا لازاحته وازاحتهم.
ذلك بينما سيزداد تنامي الحاح وضرورة تبلور صيغه مطابقة من صيغ ووسائل عمل وأفكار حركة وطنية جديدة.
تأخذ العراق نحو المستقبل.
2016-03-04