ضربات أميركية وتراجع ميداني.. واشنطن تضيّق الخناق على طهران دبلوماسياً واقتصادياً

بعد محاولات دبلوماسية لم تُكلَّل بالنجاح، أعطى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الضوء الأخضر لتنفيذ غارات إسرائيلية استهدفت منشآت عسكرية ونووية في إيران، تبعتها ضربات مباشرة بطائرات “بي-2” على مواقع نطنز وأصفهان وفوردو.

ورغم التصعيد العسكري، تواصل الإدارة الأميركية الحديث عن انفتاحها على الحلول الدبلوماسية، معتبرةً أن مرحلة ما بعد القصف قد تمهّد لمسار تفاوضي جديد، إلا أن طهران لم تُظهر حتى الآن أي تجاوب، ما يراه الأميركيون محاولة إيرانية لكسب الوقت والالتفاف على المفاوضات.

تشير مصادر مطلعة إلى أن المهلة الأميركية الضمنية أمام إيران تمتد حتى أوائل صيف العام المقبل، وهي فترة يُتوقَّع أن تعمل فيها طهران على ترميم برنامجها النووي المتضرر، واستعادة نشاطها في إنتاج الصواريخ وبناء شبكات الدعم مع حلفائها الإقليميين في العراق ولبنان وسوريا واليمن.

وفي محاولة لإجهاض هذه الجهود، شرعت واشنطن في ملاحقة شبكات تهريب الطاقة الإيرانية، التي توفّر لطهران موارد مالية بالعملة الصعبة. ومن المنتظر أن تُصعّد وزارة الخزانة الأميركية خلال الفترة المقبلة من إجراءاتها ضد هذه الشبكات.

وتتجه الأنظار أيضًا إلى خطوة أوروبية مرتقبة تتمثل في فرض عقوبات اقتصادية جديدة على إيران، وسط تنسيق واضح بين واشنطن ولندن وباريس وبرلين بشأن تلك الخطوة.

لكن التحدي الأبرز الذي يواجه واشنطن هو إقناع الصين بوقف استيراد النفط الإيراني. وتشير التقديرات الأميركية إلى أن بكين استوردت نحو مليون برميل يوميًا من إيران خلال العام الماضي، بأسعار تقل 3 إلى 4 دولارات عن سعر السوق.

وتؤكد مصادر مطلعة في العاصمة الأميركية أن المفاوضات مع بكين مستمرة، وسط قناعة بأن إيقاف هذا الشريان الاقتصادي سيقرّب إيران من حافة الانهيار، خصوصًا أن الصين تمثل المستورد الأكبر للنفط الإيراني بنسبة تصل إلى 90%.

غير أن الصين، كما جرت العادة، تربط التوقف عن الشراء بالحصول على بديل مضمون وسعر أفضل، وهو ما يصعب تحقيقه في الوقت الراهن، نظرًا لعدم توفر فائض إنتاج أميركي، ورفض الشركات الأميركية بيع هذه الكميات بخسارة. المشكلة ذاتها تواجهها الدول المصدّرة للنفط، التي توازن بين الضغوط السياسية الأميركية ومصالحها السوقية.

وفي السياق العسكري، بدأت الولايات المتحدة بسحب جزء من قواتها من منطقة الشرق الأوسط، إذ انسحبت القطع البحرية من البحر الأحمر، وتراجع عدد الطائرات المقاتلة في نطاق القيادة المركزية. كما سحبت واشنطن جزءاً كبيراً من وجودها البحري قبالة سواحل شرق المتوسط.

حالياً، تقتصر القوة الأميركية في المنطقة على حاملة طائرات واحدة متمركزة جنوب الجزيرة العربية، ويؤكد مسؤولون أميركيون أن هذا التواجد لا يُعد مؤشراً على تصعيد، بل يمثل “الوضع الطبيعي الجديد”، في وقت لا يُستبعد فيه نقل الحاملة إلى مناطق أخرى إذا دعت الحاجة.

ومع اقتراب الأول من الشهر المقبل، تُواجه طهران مرحلة مفصلية، بينما تدخل واشنطن في فترة هدوء نسبي، لكن بعيون مراقبة واستعداد لخطوات قادمة.

إرسال التعليق