أطلق الشيخ محمد الشماع إمام وخطيب جامع النبي يونس في مدينة الموصل، سلسلة من الانتقادات اللاذعة للواقع الحالي على صفحته الشخصية على “فيسبوك”، مشيرًا إلى المفارقة التي تعيشها المدينة، حيث بات سكانها اليوم يتمنون العودة إلى واقع ما قبل 2014، رغم أنهم كانوا يعتبرونه متخلفًا في ذلك الوقت.
وقال الشماع: “قبل 2014، كان الجميع يتأفف من تخلف العمران والبنى التحتية، ويقارن الموصل بمدن العالم ويتحسر، أما بعد 2014 فقد دُمّر ما كنا نعدّه متخلفًا، واليوم كل همّنا وتطبيلنا يتمحور حول إعادة ما كان موجودًا قبل 2014، والذي كنا نرفضه سابقًا وأصبح اليوم أمنية وتقدمًا في نظرنا”.
وأضاف: “تلك مفارقة تكشف حجم الجريمة التي ارتُكبت بحق الوطن. فبينما تسابق دولٌ الزمن، نركض نحن خلف ما كنا نعتبره تخلفًا”. وأرجع الشيخ السبب في ذلك إلى تفاقم الفساد الأخلاقي والمجتمعي، موضحًا أن “العجينة البشرية” قبل 2014 كانت فاسدة بدرجة ما، لكنها اليوم أصبحت أكثر فسادًا بمراحل.
وتابع: “لا ينفع تنّور ولا عجن ولا خباز ماهر، ما لم تتبدل عجينة الناس، بل وحتى الطحين”. داعيًا إلى “إعادة تربية المجتمع باستخدام العصا إن تطلّب الأمر، لأن الدولة لا تتقدم بلا قانون، ولا يُحترم القانون بلا قوة، ولا تُحترم الدولة بلا عدل”.
وأشار إلى أن أحد أكبر العوائق أمام الإعمار والإصلاح هو فساد النفوس، مضيفًا: “متى ما فسد الناس، يصبحون هم العدو الأكبر لأنفسهم، ويعينهم على ذلك نُخَب تحرص على إبقائهم متخلفين لاستمرار سلطتها وزعامتها”.
وأكد الشيخ الشماع أن الدول التي يتغنى بها العراقيون لم تتقدم إلا من خلال بناء الإنسان منذ الطفولة، حيث تم تعليم الأطفال عدم قطف زهور الحدائق العامة، ومنع الغنم والبقر من التجوال في المدن، ومنع تمزيق مقاعد الباصات، وتقديس المال العام.
وقال: “ربّوا أبناءهم على احترام النظام، واختيار الأصلح، ورفض الكذب، سواء من الفرد أو السياسي، وعلى نبذ الفاسد ومحاسبته لا التغطية عليه لأنه من طائفة أو حزب أو عشيرة”.
وأضاف بأسى: “ما لم نطمر هذه المخلفات، سنبقى تحت الأقدام وأضحوكة أمام دول المنطقة والعالم”، مشيرًا إلى أهمية التعليم والبحث العلمي والعدالة المجتمعية، والتخلص من المظاهر غير الحضارية مثل سيارات “الكيا” المتهالكة، وتوفير سيارات نقل محترمة تليق بكرامة البشر.
وختم الشماع حديثه بالقول: “من اللحظات السعيدة للموصلي حين يسافر إلى المحافظات الأخرى، أن يمسك ببوزر البنزين ويملأ سيارته دون كوبون ولا انتظار كل أربعة أيام. حلمٌ بسيط.. لكنه بعيد. أما المشافي، فجف فيها الحبر والدمع، إذ لا دواء فيها، بل صيدليات مجاورة تلتهم ما تبقى من الجيوب”.
إرسال التعليق