أعلن محافظ نينوى، عبد القادر الدخيل، اليوم، انطلاق المرحلة الأولى من أعمال فتح مقبرة الخسفة جنوب الموصل، واصفًا الموقع بـ”جرح نينوى الغائر” الذي يوثق واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي.
وقال الدخيل، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس محكمة استئناف نينوى، القاضي رائد حميد المصلح، إن المقبرة تضم آلاف الضحايا الذين أُعدموا خلال فترة سيطرة التنظيم على المحافظة بين حزيران 2014 وتموز 2017، مؤكدًا أن عدد الشهداء بلغ نحو 20 ألفًا من مختلف المكونات الدينية والقومية في نينوى.
وأضاف المحافظ أن التنظيم ارتكب مجازر مروعة بحق المدنيين، مشيرًا إلى أن أكثر من 2000 مواطن أُعدموا في يوم واحد فقط، بينهم نحو 600 شهيد من منطقة وادي حجر جنوب الموصل.
وأوضح الدخيل أن الحكومة المحلية، وبالتنسيق مع رئاسة محكمة الاستئناف، ودائرة الطب العدلي، ومؤسسة الشهداء، ودائرة المقابر الجماعية، أنجزت المرحلة الأولى من فتح المقبرة، لافتًا إلى أن جامعة الموصل ستتولى إعداد دراسة بيولوجية للتعرف على هويات الرفات المنتشلة.
وأكد المحافظ أن نينوى ستعمل على إنشاء نصب تذكاري لتخليد ذكرى ضحايا هذه المقبرة، سواء في موقع الخسفة أو في مكان آخر داخل المحافظة.
في حين كشف ضياء كريم، مدير عام دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية التابعة لمؤسسة الشهداء العراقية، أن المؤسسة قامت بتحليل الصور الجوية للموقع ابتداءً من عام 2002 وحتى عام 2018، حيث رصدت المتغيرات التي حصلت في موقع الخسفة من خلال أعمال الطمر واتساع حجم قطر الحفرة، مستندة إلى تقارير وبحوث من جامعات عراقية، في مقدمتها جامعة الموصل، إضافة إلى تقارير الشركاء الدوليين من اللجنة الدولية لشؤون المفقودين ICMP و ICRC ومنظمة الأمم المتحدة، حيث جمعت هذه البحوث والدراسات ووضعت أمام صناع القرار ممثلة باجتماعات محافظ نينوى ورئيس محكمة الاستئناف، والتي رسمت بعدها خارطة طريق نكشف عنها اليوم أمام الجميع، لتصل إلى عوائل الضحايا دون نقل أي صورة غير حقيقية كون المهمة صعبة.

وكشف كريم أن الخطوة الأولى تمثلت في تنظيف محيط المقبرة ورفع الأدلة والرفاة الموجودة في المنطقة، وستليها خطوة مماثلة في مركز المحافظة عبر اللقاء بعوائل الضحايا وأخذ عينات دم منهم من قبل فرق الطب العدلي ومؤسسة الشهداء و ICMP، على أن تكون هناك أعمال أخرى بعد الانتهاء من هذه المهمة، إضافة إلى اجتماعات للشروع في المهمة الأصعب لفتح المقبرة. وأكد أن المرحلة الأولى اقتصرت على تنظيف محيط الموقع وحماية الأدلة ورفع الرفاة.
وأشار ضياء كريم إلى أن الموصل تضم العديد من المقابر الجماعية، مبينًا أن التوقعات كانت تقتصر على مقبرة بئر “علو عنتر” كأكبر المقابر، مضيفًا أن مقبرة الخسفة مقارنة بها تعتبر صغيرة، حيث يبلغ عدد المقابر في الموصل 132، تم فتح 94 منها، والمتبقي 38، في مقدمتها الخسفة.
بدوره، كشف القاضي محمد صلاح الدين، رئيس لجنة المقابر الجماعية في نينوى، أن انطلاق عمليات فتح مقبرة الخسفة جاء بعد تكاتف الجهود الوطنية والمحلية للكشف عن جريمة لم يشهد لها التاريخ. وأوضح أن البداية تمثلت في تمشيط المناطق القريبة من الموقع من قبل فرق وآليات الهندسة العسكرية التابعة لقيادة عمليات نينوى، للبحث عن أي مخلفات عسكرية وتسهيل عمل موظفي دائرة المقابر الجماعية في البحث عن مئات الشهداء الذين تم رمي جثثهم في الحفرة خلال الفترة المظلمة التي عاشتها الموصل أثناء سيطرة التنظيم.

وأضاف القاضي أن هذا الجهد جاء بدعم محكمة استئناف نينوى، التي وجهت من خلال رئيسها القاضي رائد حميد المصلح، وعقدت العديد من الاجتماعات والشراكات مع الجهات الرسمية، منها المركز الوطني للتعاون القضائي الدولي في مجلس القضاء الأعلى ومحافظ نينوى، إضافة إلى زيارات ميدانية لموقع الخسفة بعد اكتمال الدراسات العلمية والأكاديمية المقدمة من قبل الخبراء في هذا المجال، الذين تم ترشيحهم من رئاسة جامعتي الموصل ونينوى.

وتُعد مقبرة الخسفة، التي تبعد نحو 20 كيلومترًا جنوب الموصل، واحدة من أعمق الحفر الطبيعية في المنطقة، وقد استخدمها تنظيم داعش الإرهابي خلال فترة سيطرته لإخفاء جثث ضحاياه. وبعد تحرير المحافظة، جرى ردم المقبرة من قبل جهات مجهولة، ما أعاق لسنوات جهود البحث عن الضحايا، فيما تشير التقديرات إلى أن عدد المدفونين فيها قد يتجاوز 3 آلاف شهيد من الموصل وباقي مدن وبلدات نينوى.
إرسال التعليق